“أسبوع سينما لبنان” هو مناسبة فريدة تعيد الحياة إلى ذاكرة الشاشة اللبنانية وتحتفل بتاريخ السينما الوطنية التي تحمل في طياتها قصصًا وأحداثًا شكلت ملامح المجتمع اللبناني عبر العقود الماضية حيث استمتع الجمهور بمشاهدة أفلام خالدة مثل “إلى أين؟” و”ليلى والذئاب” التي أظهرت عمق التجربة السينمائية اللبنانية وتنوعها كما أن هذه الفعالية لم تقتصر على مجرد عرض الأفلام بل كانت فرصة للتواصل بين الأجيال وتعزيز الهوية الثقافية من خلال الفنون التي تعكس روح الشعب اللبناني وعزيمته في مواجهة التحديات كما أن الحضور الكبير الذي شهدته العروض يؤكد أن اللبنانيين لا يزالون متعطشين للثقافة والفن الذي يمثل لهم ملاذًا من صعوبات الحياة اليومية وتجسيدًا لذكرياتهم المشتركة التي توحدهم في زمن الأزمات.
يختتم اليوم في مختلف المناطق اللبنانية أسبوع “سينما لبنان”، وهو حدث ثقافي مميز أطلقته وزارة الثقافة بالتعاون مع جمعيات سينمائية ومؤسسات محلية، حيث يعد هذا الأسبوع بمثابة عودة قوية للذاكرة السينمائية الوطنية بعد غيابٍ طويل، ويعكس أهمية الفن في تعزيز الهوية الثقافية اللبنانية.
على مدار ستة أيام، جاب “أسبوع سينما لبنان” ثماني مدن ومناطق من بيروت إلى بعلبك، حيث تم عرض مجموعة متنوعة من الأفلام اللبنانية التي تعكس مراحل مختلفة من تاريخ السينما في البلاد، وقد كانت هذه التجربة مفتوحة ومجانية للجمهور، مما ساهم في إعادة الروح الثقافية إلى الناس من خلال الشاشة الكبيرة.
أفلام خالدة وذكريات فنية
استعاد الأسبوع مجموعة من الأعمال الخالدة من أرشيف السينما اللبنانية، حيث تم عرض فيلم “إلى أين؟” للمخرج الراحل جورج نصر، الذي افتتح به الحدث، بالإضافة إلى أفلام مثل “ليلى والذئاب” للمخرجة هيني سرور، و”همسات” لمارون بغدادي، و”كان يا ما كان بيروت” لجوسلين صعب، وغيرها من الأعمال التي وثقت التحولات الاجتماعية في لبنان منذ خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم، كما تم إعادة عرض الفيلم الوثائقي “وليد شميط، حياة في قلب السينما” تكريمًا للناقد والناشط السينمائي الراحل الذي كان من أبرز المدافعين عن الأرشيف السينمائي اللبناني.
تختتم العروض مساء اليوم بمسرحية “سهرية” في أمسية احتفالية، حيث تم تكريم الفنان الراحل لزياد الرحباني، الذي يُعتبر من أبرز رواد المسرح والموسيقى في لبنان والعالم العربي، لم يكن العرض مجرد ختام رمزي لأسبوع السينما، بل كان استعادة لروح مرحلة كاملة جسّد فيها الرحباني تلاقي الفن بالناس، والمسرح باليوميات اللبنانية، والسياسة بالوجدان الشعبي، حيث عادت “سهرية” لتذكّر بأثر زياد الرحباني في تشكيل هوية فنية لبنانية متفردة، مزجت بين النقد الاجتماعي والسخرية الذكية.
دعوات للعودة إلى الوطن
قال وزير الثقافة غسان سلامة في حديث له: “نسعى لإقناع المستثمرين بالاستثمار في مشروع السينما، حيث نؤكد على نجاحه ومستقبله، مما يمكننا من جذب المستثمرين سواء كانوا من القطاع الخاص أو دول أجنبية للمشاركة في هذا القطاع الحيوي”، وأوضح أن العاملين في السينما يقدمون مقترحاتهم يوميًا، وعندما نقتنع بأحدها، نساعدهم في العثور على المموّل المناسب، حيث ندرك الأسباب التي دفعت الكثير من الشباب اللبنانيين للعمل في الخارج بسبب الأزمات المالية والسياسية.
كما دعا سلامة الشباب اللبنانيين للعودة إلى وطنهم، مؤكدًا أن لبنان لا يزال يحتفظ بهوامش حرية واسعة، وأن العمل جارٍ مع الجامعات لتدريب السينمائيين الشباب بأساليب حديثة، بالإضافة إلى إطلاق برامج أكاديمية متخصصة لإنتاج جيل جديد قادر على دخول السوق التنافسية العالمية بقوة.
وفي سياق حديثه عن دور الوزارة في استقطاب الشباب من الخارج، أوضح سلامة: “نعمل على إدماج الشباب اللبناني في المهرجانات الدولية، حيث سيكون لبنان ضيف الشرف في أكبر معرض كتاب في فرنسا، مع مشاركة 15 كاتبًا لبنانيًا و20 فيلمًا لبنانيًا خلال فعاليات المعرض في شهر أيار المقبل، وهدفنا هو استعادة المواقع التي فقدناها في العالم الثقافي والدبلوماسي”.
الفن هوية وذاكرة لبنان
شهد “أسبوع سينما لبنان” تجسيدًا ثقافيًا في مواجهة التحديات، حيث عادت الصورة لتجمع اللبنانيين حول ذاكرتهم المشتركة وإيمانهم بأن الثقافة تمثل آخر أشكال المقاومة، وما حدث هذا الأسبوع لم يكن مجرد عرض لأفلام قديمة، بل كان بمثابة ولادة جديدة لوطن يعرف أن خلاصه يبدأ من هويته الثقافية.
(بوابة مولانا).
التعليقات