نقوش الصحراء العربية تكشف أسرار الماء والحياة قبل 12 ألف عام تحمل في طياتها قصصًا عن مجتمعات قديمة عاشت في بيئات قاسية حيث استخدموا الفن الصخري كوسيلة لتحديد مصادر المياه الحيوية التي كانت تعني الحياة لهم في تلك الأوقات الصعبة فهذه النقوش، التي تتضمن أكثر من 130 صورة لحيوانات مثل الإبل والماعز، تعكس مهارات النحاتين الذين قاموا بنحتها على الصخور الوعرة في تضاريس جبلية قديمة وتظهر كيف كانت هذه المجتمعات تعتمد على بحيرات موسمية ومصادر مياه أخرى للبقاء على قيد الحياة في الصحراء القاحلة فقد تمكن هؤلاء الناس من التأقلم مع الظروف القاسية بفضل معرفتهم العميقة بالطبيعة والبيئة المحيطة بهم مما يبرز أهمية هذه النقوش في فهم تاريخ البشرية وتطورها في المنطقة.
قبل حوالي 12 ألف عام، عاشت مجتمعات الصيد في قلب الصحراء العربية، وابتكرت فناً صخرياً مدهشاً من خلال نحت صور بالحجم الطبيعي للإبل وحيوانات أخرى على صخور وجروف من الحجر الرملي، هذا الفن لم يكن مجرد تعبير فني، بل كان وسيلة لتحديد مواقع مصادر المياه، مما يعكس كيف تعامل الإنسان القديم مع بيئات من أكثر المناطق وعورة على وجه الأرض.
في جنوب صحراء النفود بشمال السعودية، تم اكتشاف هذا الفن الصخري الضخم، الذي يمتد على مسافة تقارب 30 كيلومتراً، حيث يحمل حوالي 60 لوحة فنية أكثر من 130 صورة لحيوانات، وأبرزها الإبل، بالإضافة إلى الماعز والغزلان والحمير البرية والثور البري، بينما يتجاوز طول بعض النقوش التي تجسد الجمال مترين، مما يثير الإعجاب بمهارة النحاتين القدماء.
تفاصيل فنية مذهلة
تشير الأبحاث إلى أن بعض النقوش كانت على صخور يسهل الوصول إليها، بينما كانت أخرى منقوشة على منحدرات شاهقة، مثل واحدة على ارتفاع 39 متراً، تحمل 19 جملاً و3 حمير، وتوضح عالمة الآثار ماريا جواجنين أن النحاتين كانوا مضطرين للوقوف على حافة الجرف، مما يجعل عملية النحت محفوفة بالمخاطر، لكنهم أظهروا مهارة فائقة في إنتاج تمثيلات بالحجم الطبيعي، ما يعكس عمق فهمهم للطبيعة ومهاراتهم الفنية.
هذا الفن الصخري ليس مجرد صورة بل هو دليل على كيفية بقاء المجتمعات القديمة في الصحراء من خلال التنقل بين البحيرات الموسمية، حيث استخدموا هذه النقوش لتحديد مواقع المياه، وقد توصل الباحثون إلى أن هذه النقوش تعود إلى فترة تتراوح بين 12800 و11400 سنة، مما يغير المفهوم السائد حول استقرار المجتمعات في البيئات الصحراوية، ويظهر أنهم كانوا على دراية عميقة بالطبيعة وتغيراتها.
العصر الجليدي والمناخ المتغير
قبل حوالي 15 ألف سنة، شهدت المنطقة هطول أمطار غزيرة، مما أدى إلى ظهور أراضٍ رطبة وزيادة المساحات الخضراء في بيئة صحراوية قاحلة، وقد كشفت هذه التغيرات المناخية عن توقيت سكن مجتمعات الصيد في هذه المنطقة، حيث أظهروا قدرة مميزة على التكيف والبقاء في بيئات صعبة، مما يعكس روح التحدي لدى الإنسان القديم.
تظهر القطع الأثرية المكتشفة في الحفريات تشابهاً مع تلك التي عُثر عليها في مناطق أوسع، مما يدل على تفاعل بين مجتمعات الصيد ومجموعات أخرى، لكن الفن الصخري الذي اكتشف لا يشبه أي شيء آخر معروف في المنطقة، مما يعكس هوية فريدة لهذه المجتمعات، وقد حددوا بوضوح مصادر المياه من خلال هذا الفن، مما يعكس أهمية هذا الفن في حياتهم اليومية.
(رويترز).
التعليقات